خالد يوسف المرزوق، من أبرز رجال الأعمال في الكويت، أسس مشاريع رائدة وساهم في تطوير الاقتصاد والبنية التحتية.
تميز بعطائه الواسع وابتكاراته في مجالات متعددة، مما جعله شخصية مؤثرة ومرموقة في تاريخ الكويت الحديث.
عندما سمع خليفة المسلمين عبدالملك بن مروان قول عروة بن الورد العبسي المعروف بعروة الصعاليك:
أقسّم جسمي في جسوم كثيرة
وأحسو قراح الماء والماء باردُ
قال: والله ما تمنيت أحد من العرب يلدني إلا عروة بن الورد ووالله من قال بأن حاتم أكرم العرب فقد أزرى بعروة الصعاليك!
ونحن نقول من يتكلم عن الكرم والكرماء في عصرنا الحاضر ولا يتطرق لسيرة الجواد الكريم المرحوم خالد يوسف المرزرق فقد أزرى بفضيلة الكرم والكرماء!
كيف لا ؟! وهو أحق الناس في العصور المتأخرة بقول عروة الصعاليك:
أقسّم جسمي في جسوم كثيرة
وأحسو قراح الماء والماء باردُ
وقول الشاعر الشعبي:
إن شال همّه شال همّه بروحه
وإذا فرح وزّع على اللي حواليه!
فكانت هذه الأبيات انعكاسًا حقيقًا لسيرة رحمه الله .
فكان رحمه الله يجابه الصعاب لوحده وعندما تفلح مساعيه يوزّع ما حوت يداه على القاصي والداني.
ومهما تكلمنا وكتبنا لن نستطيع ادراك جزء يسير من كرم المرحوم ولكن هذه اطلالة سريعة على بعض جوانب سيرته العطرة لتكون بقعة ضوء جاذبة لمن يريد الاستزادة من سيرة رحمه الله .
…….
خالد يوسف المرزوق (1933-2011) كان من أبرز رجال الكويت في العصر الحديث، وكان له دور كبير في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. ورث عن والده مديونية كبيرة ولكنه استطاع تسديدها، وأصبح من الشخصيات العصامية التي أسست للكويت الحديثة.
بدأ خالد المرزوق مسيرته بالمساهمة في تطوير البنية التحتية للكويت، حيث كان أول من بنى مواقف سيارات متعددة الأدوار في البلاد. كما كان من مؤسسي البنك التجاري الكويتي في عام 1960، وتولى منصب نائب الرئيس فيه. يعتبر البنك التجاري ثاني أقدم البنوك في الكويت.
من أبرز إنجازاته الأخرى كان تأسيس شركة عقارات الكويت في عام 1972، التي أصبحت من أكبر الشركات العقارية في البلاد. كما أسس بنك الكويت العقاري في عام 1973، والذي شهد نمواً كبيراً تحت قيادته.
على الصعيد المعماري، حاز المرزوق قصب السبق في بناء مجمع “لؤلؤة المرزوق” في السالمية، والذي كان أحد أكبر المشاريع السكنية في الكويت وانتهى بنائه عام ١٩٦٧م وكان أول مجمع سكني يتكون من عشر طوابق ويوجد به سرداب مصافط للسيارات بسعة استيعابيه غير موجودة بالكويت قبل ذلك.
كما قام ببناء مسجد ومركز الطب الإسلامي، بمبلغ ٨ مليون كويتي و ٧٠٠ ألف عام ١٩٨٧م والذي يعد تحفة معمارية وصرحاً حضارياً يؤكد بأن المرحوم لم يتضعضع وينهار من أزمة المناخ التي عصفت بكثير من رجال الاقتصاد وظل شامخًا حريصًا على خدمة دينه ووطنه.
في مجال الإعلام، أسس المرزوق جريدة “الأنباء” في عام 1976، والتي لعبت دوراً كبيراً في نقل صوت الشعب الكويتي خلال فترة الاحتلال العراقي للكويت. واستمر في نشر الجريدة من القاهرة خلال تلك فترة الاحتلال العراقي للكويت دون مقابل، دعماً للقضية الكويتية.
خلال فترة الاحتلال العراقي، كان خالد المرزوق العضو المدني الوحيد في حكومة الطائف التي تم تشكيلها في السعودية، وتبرع بمبالغ سخية للحكومة الكويتية ورهن كل ثروته تحت طوع الشرعية الكويت.
توسع المرزوق في استثماراته خارج الكويت، حيث أسس شركة “نوف مصر للاستثمار” وقام بإنشاء أول مصنع للزجاج في مدينة 6 أكتوبر بمصر. كما طرح فكرة إنشاء مدينة سياحية متكاملة في مصر تشمل مناطق سكنية وفنادق ومنشآت ترفيهية.
استمرت مسيرة خالد المرزوق في العطاء حتى وفاته، حيث كرمه أمير الكويت الراحل الشيخ صباح الأحمد في عام 2004 لتبرعاته السخية وأعماله الخيرية، خاصة في مجال الصحة.
خالد يوسف المرزوق، كان معروفاً بكرمه وسخائه الكبيرين، وقد ترك بصمة واضحة في المجتمع الكويتي من خلال أعماله الخيرية والتزامه بدعم المحتاجين. ورغم أنه عاش في فترة صعبة من تاريخ الكويت، إلا أن كرم خالد يوسف المرزوق كان دائماً حاضراً في كل موقف.
كان خالد يوسف المرزوق يدرك أهمية دعم الفئات المحتاجة في المجتمع، ولذلك كان يخصص جزءاً كبيراً من ثروته للأعمال الخيرية. لم تكن أعماله الخيرية مقتصرة على تقديم الأموال فقط، بل كانت تشمل أيضاً توفير الدعم العملي للناس في حياتهم اليومية. كان خالد يوسف المرزوق يسعى دائماً لتحقيق الخير للجميع من حوله، سواء كانوا أفراداً من أسرته الكبيرة أو من خارجها.
واحدة من أبرز ملامح كرم خالد يوسف المرزوق هي الطريقة التي كان يتعامل بها مع الناس. كان يستقبل كل من يحتاج إلى مساعدة بترحاب، وكان معروفاً بين الناس بأنه لا يرد أحداً خائباً. لم يكن يتفاخر بما يقدمه من مساعدات، بل كان يقوم بذلك بسخاء وبدون تردد، ويعتبر هذا واجباً إنسانياً يجب الوفاء به.
كما أن كرم خالد يوسف المرزوق تجلى في دعمه للأعمال المجتمعية والمشاريع التنموية في الكويت. ساهم بشكل كبير في بناء وتطوير العديد من المنشآت الخدمية التي استفاد منها المجتمع على مر السنين. كانت لديه رؤية بعيدة المدى في أن المال يجب أن يُستثمر في تحسين حياة الناس، ولذلك كان دائماً على استعداد لدعم المشاريع التي تعود بالنفع على المجتمع ككل.
ومن أمثلة سخائه، دعم خالد يوسف المرزوق للمشاريع التعليمية والدينية. كان مؤمناً بأن التعليم هو الأساس لبناء مجتمع قوي ومتماسك، لذلك قدم دعماً كبيراً للمدارس والمراكز التعليمية في الكويت. كما ساهم في بناء المساجد ودعم الأنشطة الدينية، معتقداً أن تعزيز القيم الدينية والأخلاقية يساهم في استقرار المجتمع.
وكان رحمه الله محبوبًا ومقربا من قيادات الوطن العربي وعلى رأسهم أمراء دولة الكويت وشيوخها وملوك المملكة العربية السعودية والأمراء من الأسرة الحاكمة وأبرزهم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز والذي كانت تربطه بالمرحوم علاقة أخوية وصداقة دامت لعقود طويلة وزادت عن النصف قرن.
وكان رحمه دائمًا يوصي أبنائه ومن حوله ويقول :”احرصوا على الأولى واحذروا الثانية” فسألوه ماهي الأولى؟ قال: أن تقول الناس يوم وفاتك عز الله إنه فقيدة رحمة الله عليه.
وقيل له ما الثانية؟ قال: أن تقول الناس يوم وفاتك راح ما عليه حسفوه افتكينا منه!
فكان رحمه الله أجدر الناس بالأولى وأكبر شاهد على ذلك الألسنة التي لهجت بتعداد مآثره والدموع التي ذُرفت عليه يوم رحيله في مطلع عام ٢٠١١م فرحم الله الفقيد ولكن عوض محبيه بأنه ترك خلفه سيرة عطرة وابنه البار السيد فواز يعمل جاهدًا على تحمّل أعباء هذه السيرة العطرة بالسير على نهج والده في خدمة دينه ووطنه واخوانه من شعب الكويت وغيرهم من الشعوب الأخرى.
في الختام، كان خالد يوسف المرزوق نموذجاً للكرم والسخاء في الكويت، وقد أثرت أعماله الخيرية بشكل كبير على المجتمع الكويتي، وأصبح مثالاً يحتذى به في العطاء ومساعدة الآخرين. ترك خلفه إرثاً من العطاء استمر عبر الأجيال، مؤكداً أن الكرم الحقيقي هو الذي يبقى أثراً طيباً يتحدث عنه الناس بعد رحيل صاحبه.
بقلم / الباحث في التاريخ والفكر / عبد الكريم المجهول
mxd8qo