الشيخ خالد بن سالم بن محفوظ: حين يصبح العطاء إرثاً والسخاء هوية

بقلم ناصر السلمان

في مدونات التاريخ الاقتصادي، يُذكر اسم الشيخ خالد بن سالم بن محفوظ (رحمه الله) كأحد أبرز أعمدة الصيرفة والأعمال في المملكة العربية السعودية، كونه الوريث والقيادي الفذ لأحد أكبر الصروح المصرفية (البنك الأهلي التجاري). ولكن، بعيداً عن أرقام الثروات وعناوين الصفقات، تبرز سيرة موازية لهذا الرجل، سيرة صاغتها مواقفه الإنسانية العميقة وكرمه الذي حوّل الثروة من مجرد “امتلاك” إلى أداة “تأثير” وبذل.

إن إدراج اسم الشيخ خالد بن محفوظ في موسوعة تُعنى بالكرم ليس ترفاً، بل هو توثيق لنهج رجل آمن بأن القيمة الحقيقية لرأس المال تكمن في قدرته على جبر الخواطر ورعاية الإنسان.

فلسفة الكرم: من الإرث العائلي إلى البصمة الشخصية
ينتمي الشيخ خالد بن محفوظ إلى عائلة عريقة أسس عميدها، الشيخ سالم بن محفوظ (رحمه الله)، مدرسة في التجارة تزامنت مع مدرسة في العطاء. ورث الشيخ خالد هذا الإرث، لكنه لم يكتفِ به، بل أضاف إليه بصمته الخاصة.

تميز كرمه بميزتين: الشمولية والسرية. لم يكن عطاؤه مقتصراً على الأعمال الخيرية المؤسسية الكبرى فحسب، بل امتد ليشمل المواقف الإنسانية الفردية المباشرة. عُرف عنه، كما تروي المصادر المقربة منه، أنه كان “سخيًا بشكل جنوني” ولكن بعيداً عن الأضواء، إيماناً منه بأن الكرم يفقد جوهره إذا اختلط بالبحث عن السمعة.

إسهامات خيرية ومواقف إنسانية بارزة
يمكن تلخيص بصمات الشيخ خالد بن محفوظ الإنسانية في عدة محاور رئيسية، جسّدت سخاءه وكرمه:

رعاية الصحة والتعليم: كان من أبرز أوجه كرمه هو تكفله بعلاج أعداد لا تُحصى من المرضى الفقراء والمحتاجين، سواء داخل المملكة أو خارجها. وتُشير الروايات إلى أنه خصص لذلك “ميزانية مفتوحة”، وكان يأمر بنقل الحالات المستعصية بطائرته الخاصة للعلاج في الخارج على نفقته الكاملة، دون أن يسأل عن هوية المريض أو خلفيته. كما تكفل بإرسال العديد من الطلبة للدراسة في الخارج، إيماناً منه بأن التعليم هو أسمى أوجه العطاء المستدام.

بناء المساجد والمراكز المجتمعية: كان له إسهام واسع في بناء ورعاية المساجد ودور العبادة، ليس في المملكة فحسب، بل في مختلف بلدان العالم، كعمل خيري مستمر يجسد إيمانه العميق.

دعم الأفراد والمجتمعات: لم يقتصر دعمه على المؤسسات، بل امتد لـ “إنقاذ الأسر والأفراد” من كرباتهم وديونهم، ودعم الجمعيات الخيرية المتنوعة، والمساهمة في التنمية الاجتماعية ودعم قطاعات مثل الرياضة (كدعمه المعروف لنادي الاتحاد) كجزء من مسؤوليته تجاه المجتمع.

الموقف الأبرز: قضية التعويضات العالمية (موقف لليونيسف)
يظل الموقف الأبرز الذي يكثف فلسفة الرجل الإنسانية هو ما حدث بعد كسبه لإحدى القضايا الكبرى في المحاكم الدولية (في بريطانيا ونيويورك) لدحض اتهامات باطلة.

بعد أن حكمت له المحكمة بتعويضات مالية كبيرة جبراً للضرر الذي لحق بسمعته، اتخذ الشيخ خالد بن محفوظ قراراً عكس جوهره الإنساني؛ فبدلاً من ضم هذه الأموال الطائلة إلى ثروته الشخصية، أعلن (رحمه الله) التبرع بكامل مبلغ التعويض إلى صندوق رعاية الطفولة التابع للأمم المتحدة (يونيسف).

هذا الموقف لم يكن مجرد تبرع، بل كان رسالة عالمية مفادها أن انتصاره لم يكن لأجل المال، بل لأجل المبدأ، وأن أفضل رد على الأذى هو مزيد من الخير، موجهًا هذا الخير إلى الفئة الأكثر ضعفاً في العالم وهم الأطفال.

الإرث: ما وراء الأرقام
رحل الشيخ خالد بن محفوظ عن هذه الدنيا، لكنه ترك إرثاً يتجاوز بكثير سجله كرجل أعمال وملياردير. لقبه المقربون بـ “الرجل الكريم الذي لا يعرف للمال قيمة” أمام فعل الخير.

إن سيرته تخلد في “الموسوعة العالمية للكرم” كنموذج لـ “الرأسمالية الإنسانية”؛ فهو يمثل رجل الأعمال الذي أدرك أن الثروة وسيلة وليست غاية، وأن السخاء الحقيقي ليس في حجم ما تملك، بل في حجم ما تمنح، خاصة عندما يكون المنح في الخفاء، أو عندما يكون انتصاراً للمبادئ الإنسانية على المكاسب المادية.

من alkram net