الدكتور محمد مشالي: طبيب الفقراء في من مصر

في عصر تتغير فيه الأولويات وتتزايد فيه الضغوط الاقتصادية والاجتماعية،

 

يبرز الدكتور محمد مشالي، المعروف بـ”طبيب الغلابة”، كرمز للكرم المستدام والإيثار. لأكثر من 40 سنة،



كرس مشالي حياته لخدمة الفقراء والمحتاجين في مصر،
معالجاً المرضى بأجر رمزي، وأحياناً بدون مقابل، ليس فقط تخفيفاً من آلامهم الجسدية، بل حفاظاً على كرامتهم الإنسانية. لم يكن الدكتور مشالي مجرد طبيب، بل كان ملاذاً لأبناء الطبقات المهمشة، يسعى دائماً لتحقيق راحة الآخرين دون التفكير في مصلحته الشخصية.

في عيادته المتواضعة التي تقع في حي شعبي، استقبل الدكتور مشالي مئات المرضى يومياً، بوجه بشوش وكلمات دافئة تسبق علاج الأمراض. كان يرى أن واجبه الإنساني يفرض عليه تحمل مسؤولية علاج الفقراء، حتى لو كان ذلك يعني التضحية براحته وموارده الشخصية. لم يكن هدفه جمع الثروة أو تحقيق الشهرة، بل كان مدفوعاً بإيمان عميق بضرورة مساعدة الآخرين دون انتظار مقابل.

الدكتور مشالي جسّد قيمة الكرم في أبهى صورها، كرم يتعدى حدود العطاء المادي ليشمل التضحية بالوقت والجهد والحب غير المشروط للبشرية. في زمن تندر فيه هذه النماذج، يبقى مشالي مثالاً للكرم الذي لا يضاهيه كرم في عصرنا الحديث.

 

في عالم مليء بالتحديات والمغريات المادية، يبرز بعض الأفراد بأعمالهم الخيرية والإنسانية التي تلامس قلوب الناس وتترك أثرًا لا يُنسى. الدكتور محمد مشالي، المعروف بطبيب الفقراء، هو أحد هؤلاء الأفراد الذين خلدهم التاريخ بأعمالهم الإنسانية النبيلة. وُلد في مصر، وعُرف بتفانيه في خدمة المحتاجين والمساكين دون أن يأخذ منهم جنيهاً واحداً.

نشأة الدكتور محمد مشالي

وُلد الدكتور محمد مشالي في محافظة البحيرة عام 1944، ونشأ في بيئة بسيطة تعزز قيم العطاء والكرم. من صغره، كان يراقب والده الذي كان يعمل مدرساً، ووالدته التي كانت تساهم في المجتمع المحلي بجهودها الخيرية. هذه التربية غرست في نفسه حب الخير ومساعدة الآخرين.

التعليم والشغف بالطب

بعد تفوقه في المرحلة الثانوية، التحق بكلية الطب بجامعة القاهرة وتخرج منها عام 1967. كان طالبًا مجتهدًا، وبرز بين زملائه بتفانيه ورغبته في التعلم. خلال سنوات دراسته، لم يكن يركز فقط على التحصيل الأكاديمي، بل كان يشارك في الأعمال التطوعية والمبادرات الخيرية التي تنظمها الجامعة، مما عزز لديه الرغبة في خدمة المجتمع.

البداية المهنية وقرار الخدمة المجانية

بدأ الدكتور مشالي حياته المهنية كطبيب عام، وكان يعمل في المستشفيات الحكومية. ولكنه لاحظ أن هناك الكثير من الناس لا يستطيعون تحمل تكاليف العلاج. لذا قرر أن يفتح عيادة صغيرة في مدينة طنطا بمحافظة الغربية، ليقدم العلاج للمحتاجين والفقراء مجانًا.

كان هذا القرار نابعًا من تجربة شخصية، حيث فقد أحد أصدقائه بسبب عدم قدرته على تحمل تكاليف العلاج. هذه الحادثة أثرت فيه بشدة، ودفعته لتكريس حياته لمساعدة الفقراء. قرر ألا يأخذ أي أجر من المرضى الذين لا يستطيعون الدفع، وكان يعمل ساعات طويلة دون كلل.

العيادة وطرق العلاج

في عيادته البسيطة بطنطا، كان الدكتور مشالي يستقبل المرضى يوميًا من مختلف الأعمار والطبقات الاجتماعية. لم يكن يميز بين أحد، وكان يعامل الجميع بمساواة واحترام. كان يقدم لهم العلاج والأدوية مجانًا، وغالبًا ما كان يشتري الأدوية بنفسه إذا لم تتوفر التبرعات.

لم تقتصر جهوده على العلاج فقط، بل كان يساهم في نشر الوعي الصحي بين الناس. كان يقدم النصائح الطبية حول الوقاية من الأمراض والنظافة الشخصية والتغذية السليمة. بفضل جهوده، تحسنت الأوضاع الصحية في المنطقة بشكل ملحوظ، وانخفضت معدلات الأمراض المعدية.

دعم المجتمع وتكريمه

رغم أنه لم يسعَ للشهرة أو التكريم، إلا أن الناس أدركوا قيمة عمله وفضله الكبير. حصل الدكتور مشالي على العديد من الجوائز التقديرية من جهات محلية ودولية. ولكن أكثر ما كان يعني له هو دعوات الناس الصادقة وشكرهم له. لم يكن يهتم بالأضواء أو الإعلام، بل كان يفضل أن يبقى مركزًا على عمله النبيل.

التحديات والصعوبات

لم تكن مسيرة الدكتور مشالي خالية من التحديات. كان يواجه صعوبات مالية، خصوصًا مع ازدياد عدد المرضى وقلة الموارد. ولكن هذه الصعوبات لم تثنه عن مواصلة عمله. كان يؤمن بأن رسالته في الحياة هي خدمة الناس، وكان مستعدًا للتضحية بكل شيء من أجل هذا الهدف. زوجته وأبناؤه كانوا يدعمونه بشكل كبير، ويقدرون تضحياته من أجل المجتمع.

إرث الدكتور مشالي

بعد سنوات طويلة من العطاء غير المحدود، رحل الدكتور محمد مشالي عن عالمنا في يوليو 2020، تاركًا خلفه إرثًا عظيمًا من الإنسانية والتضحية. كانت وفاته خسارة كبيرة للمجتمع، ولكن أثره الإيجابي سيبقى خالداً في قلوب الناس. قريته ومدينة طنطا أطلقت اسمه على العديد من المنشآت تخليداً لذكراه، وأصبح قدوة للأجيال القادمة.

 

الدكتور محمد مشالي هو تجسيد حقيقي للعطاء والإيثار. قدم للعالم درسًا في الإنسانية، وأثبت أن قيمة الإنسان ليست فيما يملك، بل فيما يقدم للآخرين. قصة حياته تذكرنا بأن العطاء الحقيقي لا يُقاس بالمال، بل بالحب والرغبة الصادقة في مساعدة الآخرين. لقد عاش الدكتور مشالي حياة بسيطة ولكنها غنية بالمعاني، وفنى حياته في خدمة المحتاجين، ليبقى رمزًا للخير والإنسانية.

الدكتور محمد مشالي سيظل في الذاكرة الجماعية لمصر والعالم كرمز للعطاء النقي، وسيبقى مثالا يُحتذى به لكل من يسعى لخدمة الإنسانية.

 

بقلم / ناصر السلمان

 

 

 

من alkram net

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *