“كرم النبي محمد صلى الله عليه وسلم: سيد الكرماء ورمز العطاء، الذي تجلت في شخصه أسمى معاني السخاء والإحسان، ليكون قدوةً خالدةً ونموذجًا متفردًا في أروع صور الجود والكرم.”

 

 

الكرم يُعتبر من أعظم الصفات الإنسانية التي تتحلى بها النفوس، وهي سمة من سمات العظماء الذين يُحبون الخير للآخرين ويؤثرون على أنفسهم في سبيل إسعاد غيرهم. وقد كان النبي محمد صلى الله عليه وسلم مثالًا يحتذى به في الكرم والشهامة، حيث تجلى كرمه في مواقف عديدة من حياته، سواء في السراء أو الضراء، مع الأصدقاء والأعداء على حد سواء.
 
الكرم في الإسلام
الكرم في الإسلام ليس مجرد صفة حسنة، بل هو جزء من الأخلاق التي يدعو إليها الإسلام ويحث على التحلي بها. يقول الله تعالى في القرآن الكريم: “وَمَا تُنفِقُوا۟ مِن شَىءٍۢ فَهُوَ يُخْلِفُهُۥ وَهُوَ خَيْرُ ٱلرَّٰزِقِينَ” (سبأ: 39)، وهي دعوة صريحة للإنفاق والكرم مع وعد من الله بأن يُخلف على المنفقين بالخير والرزق. وقال الله تعالى أيضًا: “يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓا۟ أَنفِقُوا۟ مِمَّا رَزَقْنَٰكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِىَ يَوْمٌۭ لَّا بَيْعٌۭ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌۭ وَلَا شَفَٰعَةٌۭ ۗ وَٱلْكَٰفِرُونَ هُمُ ٱلظَّٰلِمُونَ” (البقرة: 254)، وهي دعوة أخرى للإنفاق والكرم قبل أن يأتي يوم لا يمكن فيه الإنسان من تقديم المساعدة للآخرين. 
كرم النبي صلى الله عليه وسلم
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أكرم الناس، لم يُعرف عنه بخلٌ قط، بل كان يجود بما في يده دون تردد أو تفكير. فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: “كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ، حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ جِبْرِيلُ يَلْقَاهُ كُلَّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنْ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ” (رواه البخاري ومسلم). وهذا الحديث الشريف يُظهر أن كرم النبي صلى الله عليه وسلم كان عظيمًا في كل الأوقات، ولكنه كان يتضاعف في شهر رمضان، حيث كان يفيض بالخير ويعطي دون حساب، كما تهب الريح بالخير دون تمييز.
 مواقف من كرم النبي صلى الله عليه وسلم
 كرم النبي مع الأعرابي
رُوي عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم وطلب منه بعض المال، فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم شاةً، فذهب بها الرجل إلى قومه وقال: “يَا قَوْمِ أَسْلِمُوا، فَإِنَّ مُحَمَّدًا يُعْطِي عَطَاءَ مَنْ لَا يَخْشَى الْفَقْرَ” (رواه مسلم). وهذا الموقف يدل على عظمة كرم النبي صلى الله عليه وسلم، حيث أعطى الرجل مالًا لم يكن يتوقعه، مما دفعه للإيمان بالنبي والدعوة للإسلام.
 كرم النبي مع زيد بن حارثة
كان زيد بن حارثة مولى للنبي صلى الله عليه وسلم، ولكنه عندما أراد والده استرداده، خيره النبي بين البقاء معه أو العودة مع والده، فاختار البقاء مع النبي. هذا الموقف يظهر أن كرم النبي لم يكن فقط في المال، بل كان أيضًا في المعاملة الحسنة والتقدير، حيث جعل زيد يشعر بالأمان والراحة والاحترام.
 كرم النبي مع الأسرى
عندما أُسر النبي صلى الله عليه وسلم أعدادًا من الكفار في غزوة بدر، كان النبي رحيمًا بهم، وقدم لهم طعامًا أفضل مما كان يأكله هو وأصحابه. وعندما جاءه أحد الأسرى يشتكي من عدم قدرته على فداء نفسه، عفا عنه النبي وأطلق سراحه. هذا الكرم العظيم مع الأعداء يُظهر رحمة النبي صلى الله عليه وسلم وإنسانيته التي لم تعرف حدودًا.
الكرم مع أهل بيته وأصحابه
 كان النبي صلى الله عليه وسلم أكرم الناس مع أهل بيته وأصحابه، فلم يكن يفضل نفسه عليهم في شيء. كان يشاركهم في طعامه وشرابه، وكان يُكرم ضيوفه بأفضل ما يملك. فعن عائشة رضي الله عنها قالت: “مَا شَبِعَ آلُ مُحَمَّدٍ مِنْ خُبْزِ شَعِيرٍ يَوْمَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ حَتَّى قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم” (رواه البخاري).
كرم النبي مع الفقراء والمحتاجين
 كان النبي صلى الله عليه وسلم يُخصص جزءًا كبيرًا من ماله للفقراء والمحتاجين، حيث كان يُفضلهم على نفسه وأهله. فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: “مَا سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْإِسْلَامِ شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ” (رواه البخاري). كما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يُحب الصدقة والإنفاق في سبيل الله، حتى لو لم يكن يملك الكثير، وكان يقول: “مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ” (رواه مسلم)، تأكيدًا على أن الكرم والإنفاق يزيد من بركة المال ولا ينقصه. 
أثر كرم النبي على المجتمع
 لقد كان لكرم النبي صلى الله عليه وسلم أثرٌ كبيرٌ على المجتمع الإسلامي في ذلك الوقت، حيث كان مثلاً يُحتذى به من قبل الصحابة والتابعين. فقد تعلم الصحابة من النبي أن الكرم هو مفتاح القلوب وأنه يجلب المحبة والتآلف بين الناس. يقول الله تعالى: “لَن تَنَالُوا۟ ٱلْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُوا۟ مِمَّا تُحِبُّونَ ۚ وَمَا تُنفِقُوا۟ مِن شَىءٍۢ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِۦ عَلِيمٌ” (آل عمران: 92).
كرم النبي صلى الله عليه وسلم مع الأعداء 
لم يكن كرم النبي صلى الله عليه وسلم مقتصرًا على أصحابه وأهل بيته فقط، بل امتد ليشمل حتى أعداءه. كان صلى الله عليه وسلم يُعامل الأسرى والخصوم برحمة وكرم، مما جعلهم يراجعون موقفهم ويُقدرون هذا السلوك النبيل. فعندما أسر المسلمون عددًا من الكفار في غزوة بدر، كان النبي صلى الله عليه وسلم يوصي أصحابه بحسن معاملة الأسرى، وكان يعاملهم برفق حتى أنه كان يقدم لهم أفضل مما كان يتناول هو وأصحابه من طعام وشراب. هذه المعاملة أثرت في نفوس العديد من الأسرى وأدت إلى إسلام بعضهم، لما رأوا من كرم وأخلاق النبي الكريم. ومن أبرز الأمثلة على كرم النبي مع أعدائه، عفوه عن أهل مكة بعد فتحها. عندما دخل مكة فاتحًا، وكان بيده القوة والسلطة ليفعل ما يشاء بأهلها الذين آذوه وأخرجوه من دياره، قال لهم: “اذْهَبُوا فَأَنْتُمُ الطُّلَقَاءُ” (رواه ابن هشام في السيرة النبوية). هذا الموقف العظيم يُجسد أسمى معاني الكرم والعفو عند المقدرة، وهو درس لكل مسلم في كيفية التعامل مع الآخرين حتى في أصعب الظروف.
كرم النبي صلى الله عليه وسلم مع الأطفال
 كان النبي صلى الله عليه وسلم يُظهر كرمًا خاصًا للأطفال، فكان يُلاطفهم ويُعطيهم من وقته واهتمامه. لقد روى أنس بن مالك رضي الله عنه، وهو خادم النبي، أنه ما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفض طلب طفل أو يرد عليه بقسوة. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يُعطي الأطفال مما يملكه، ويداعبهم ويسأل عنهم، مما يجعلهم يشعرون بأهمية وقيمة. هذا الكرم في التعامل مع الأطفال ساهم في بناء جيل من الصحابة يحمل حبًا واحترامًا عميقين للنبي صلى الله عليه وسلم ولرسالة الإسلام.
 كرم النبي صلى الله عليه وسلم مع الحيوانات
 كرم النبي صلى الله عليه وسلم لم يقتصر على البشر فقط، بل كان يشمل الحيوانات أيضًا. فقد ورد في الأحاديث النبوية أن النبي كان يأمر بالإحسان إلى الحيوانات، وكان ينبه الناس إلى حقوقها. ففي حديث رواه عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال: “إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: دَخَلَتِ امْرَأَةٌ النَّارَ فِي هِرَّةٍ حَبَسَتْهَا، فَلَا هِيَ أَطْعَمَتْهَا وَلَا هِيَ تَرَكْتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ” (رواه البخاري ومسلم). وهذا يُظهر أهمية العناية بالحيوانات والرفق بها.
تأثير كرم النبي صلى الله عليه وسلم على الأمة الإسلامية
 لقد كان لكرم النبي صلى الله عليه وسلم تأثيرًا كبيرًا على المجتمع الإسلامي بشكل عام. فقد أدى هذا الكرم إلى انتشار قيم الرحمة والعطاء بين الناس، وجعل المسلمين يتنافسون في فعل الخير والإحسان إلى الآخرين. هذه القيم أصبحت جزءًا من الهوية الإسلامية التي تميز الأمة الإسلامية عن غيرها من الأمم. كما أن كرم النبي صلى الله عليه وسلم رسخ مفهوم التضامن الاجتماعي بين المسلمين، حيث أصبح كل فرد يشعر بمسؤولية تجاه الآخرين، ويسعى لمساعدتهم والتخفيف عنهم. هذه الروح الاجتماعية القوية التي زرعها النبي صلى الله عليه وسلم في قلوب الصحابة والتابعين كانت من العوامل الرئيسية في انتشار الإسلام وتعزيز قوة المجتمع الإسلامي.
كرم النبي صلى الله عليه وسلم في الدعوة إلى الله
 إلى جانب الكرم المادي الذي اشتهر به النبي صلى الله عليه وسلم، كان كرمه يمتد إلى الدعوة إلى الله. فقد كان حريصًا على هداية الناس وإخراجهم من الظلمات إلى النور. لقد بذل النبي صلى الله عليه وسلم كل ما في وسعه لإيصال رسالة الإسلام، وتحمل في سبيل ذلك الأذى والمشقة، دون أن يطلب مقابلًا ماديًا أو معنويًا. قال الله تعالى: “قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَن شَاءَ أَن يَتَّخِذَ إِلَىٰ رَبِّهِ سَبِيلًا” (الفرقان: 57)، وهذا يؤكد أن دعوة النبي كانت خالصة لوجه الله تعالى. كما يظهر كرم النبي صلى الله عليه وسلم في أنه كان يُعامل الناس بالحلم واللطف، حتى مع الذين كانوا يؤذونه. كان صلى الله عليه وسلم يصبر على أذاهم ويُحسن إليهم، سائلًا الله أن يهديهم إلى الإسلام. من أبرز الأمثلة على ذلك، قصة النبي مع قومه في مكة، حين كانوا يرفضون دعوته بل ويؤذونه، لكنه مع ذلك كان يدعو لهم بالهداية ويُظهر لهم الكرم في المعاملة، حتى أسلم العديد منهم بفضل حسن خلقه وكرمه.
كرم النبي صلى الله عليه وسلم في قضايا المجتمع
 لم يكن كرم النبي صلى الله عليه وسلم مقتصرًا على الأفراد فحسب، بل امتد إلى معالجة قضايا المجتمع بكاملها. كان صلى الله عليه وسلم يُساهم في حل المشكلات الاجتماعية بإيجاد الحلول التي تُحقق العدالة والتكافل بين أفراد المجتمع. فعندما جاءته امرأة فقيرة بطلب مساعدة، لم يردها خائبة، بل كان يُساعد كل من لجأ إليه، مما جعل المجتمع يعيش في ظل تعاليمه كنفًا من الرضا والعدل. ومن أبرز الأمثلة على ذلك، حديث النبي صلى الله عليه وسلم عن الأخوة الإسلامية وحقوق الجار، حيث قال: “مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ” (رواه البخاري ومسلم). كان هذا الحديث دعوة صريحة للتكافل الاجتماعي، حيث يُوصي النبي صلى الله عليه وسلم بكرم التعامل مع الجيران والمساهمة في حاجاتهم. 
كرم النبي صلى الله عليه وسلم في مواجهة الأزمات
عندما تواجه الأمة أزمات، كان النبي صلى الله عليه وسلم يقدم نموذجًا فريدًا في الكرم والإيثار. فقد حدث أن أصاب المسلمين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم قحط شديد، فكان النبي يُقاسم الناس ما عنده من قليل الطعام والشراب، ويحث الناس على التصدق ومساعدة بعضهم البعض. وفي غزوة تبوك، عندما كان المسلمون في أمسّ الحاجة للدعم المادي، دعا النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة للتبرع والمساهمة في تجهيز جيش العسرة. جاء عثمان بن عفان رضي الله عنه بتبرع كبير، فدعا له النبي وقال: “مَا ضَرَّ عُثْمَانَ مَا عَمِلَ بَعْدَ الْيَوْمِ” (رواه الترمذي). هذا الكرم الجماعي الذي دعا إليه النبي صلى الله عليه وسلم في الأزمات يُظهر أهمية التضامن والتكافل في بناء مجتمع قوي ومتماسك، وقادر على مواجهة التحديات.
كرم النبي صلى الله عليه وسلم في حماية حقوق الآخرين
 كان النبي صلى الله عليه وسلم يحرص على حماية حقوق الناس، خاصة حقوق الضعفاء والمحتاجين. كان يوصي بأهل الذمة خيرًا، ويُحذر من ظلمهم. وقد قال صلى الله عليه وسلم: “مَنْ ظَلَمَ مُعَاهَدًا، أَوِ انْتَقَصَهُ حَقًّا، أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ، أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ، فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ” (رواه أبو داود). هذا الحديث يُبين مدى كرم النبي صلى الله عليه وسلم في حماية حقوق الآخرين، سواء كانوا من المسلمين أو غير المسلمين، ويُبرز موقفه من العدل والإنصاف في التعامل مع الجميع.
كرم النبي صلى الله عليه وسلم بعد النصر
 عندما كان النبي صلى الله عليه وسلم يحقق النصر في المعارك والغزوات، لم يكن يأخذ هذا النصر وسيلة للانتقام أو التسلط، بل كان يُظهر كرمًا كبيرًا حتى مع أعدائه. فتح مكة يُعد من أبرز الأمثلة على هذا الكرم، حيث عفا النبي صلى الله عليه وسلم عن أهل مكة رغم أنهم كانوا السبب في الكثير من الأذى الذي لحق به وبأصحابه. في موقف آخر، بعد غزوة حنين، وزع النبي صلى الله عليه وسلم غنائم الحرب بين المسلمين والذين كانوا قريبين من الإسلام لتقوية إيمانهم. هذا الكرم النبوي في العطاء بعد النصر كان له أثر كبير في تثبيت القلوب ودعم الرسالة الإسلامية.
دعوة المسلمين للاقتداء بكرم النبي صلى الله عليه وسلم
 إن كرم النبي صلى الله عليه وسلم هو جزء من السيرة النبوية العطرة التي يجب أن نتعلمها ونعمل بها في حياتنا اليومية. يجب على المسلمين أن يتخذوا من كرم النبي قدوة في تعاملاتهم مع الناس، سواء في الأمور المالية أو المعنوية. يقول الله تعالى في القرآن الكريم: “لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا” (الأحزاب: 21). وهذا يعني أن التحلي بكرم النبي صلى الله عليه وسلم هو جزء من اتباع سنة الرسول وسبيل إلى رضوان الله.
كرم النبي صلى الله عليه وسلم في العفو عن المسيئين
لقد كان العفو عند المقدرة من أعظم صور كرم النبي صلى الله عليه وسلم. لقد جاء الإسلام ليهذب النفوس ويجعل العفو والتسامح من شيم المؤمنين. وقد تجلت هذه الصفة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم مرات عديدة، منها عندما عاد إلى مكة فاتحًا، وقد كان في موقف قوة يستطيع فيه أن ينتقم ممن أخرجوه وآذوه، لكنه قال كلمته الشهيرة: “اذْهَبُوا فَأَنْتُمُ الطُّلَقَاءُ”. هذا العفو لم يكن نابعًا فقط من الرغبة في الصفح، بل كان نابعًا من إدراك النبي صلى الله عليه وسلم لأهمية العفو في بناء المجتمع وتجاوز الخلافات. لقد كان يدرك أن العفو يمكن أن يُحوِّل الأعداء إلى أصدقاء، ويُعيد العلاقات إلى نصابها الصحيح، ويؤدي إلى انتشار المحبة والسلام. 
كرم النبي صلى الله عليه وسلم في القيادة
كان النبي صلى الله عليه وسلم قائدًا فريدًا من نوعه، وكان كرمه يمتد إلى كل من كان حوله، سواء كانوا من أصحابه أو من عامة الناس. كان لا يُفضل نفسه على أحد، بل كان يُشاركهم في السراء والضراء، ويُكرمهم بحسن معاملته واهتمامه بشؤونهم. كان صلى الله عليه وسلم يُشاور أصحابه في الأمور الكبيرة والصغيرة، ويُعطيهم الفرصة ليُعبروا عن آرائهم، وكان يستمع لهم بكرم واحترام، مما جعلهم يشعرون بأهمية كل واحد منهم. كان كرم النبي في القيادة يُحفز الناس على الإخلاص والعمل بجد، لأنهم كانوا يرون فيه القائد الذي يُقدر جهودهم ويُكافئهم على ما يقدمونه.
 كرم النبي صلى الله عليه وسلم مع الصحابة
من أروع صور كرم النبي صلى الله عليه وسلم كانت علاقته مع أصحابه، فقد كان يُحبهم ويُكرمهم، وكان يُعاملهم كإخوة له. لقد كان يُشاركهم في الأفراح والأتراح، ويُعينهم في أمور حياتهم. وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “المُؤمِنُ للمُؤمِنِ كالبُنيَانِ يَشُدُّ بَعضُهُ بَعضًا” (رواه البخاري).  كان النبي صلى الله عليه وسلم يُظهر كرمًا خاصًا لأصحابه الذين كانوا في حاجة، فكان يُساعدهم من ماله الخاص، ويُشاركهم طعامه وشرابه. وكان يحث الأغنياء من الصحابة على مساعدة إخوانهم الفقراء، ويُشجعهم على الإنفاق في سبيل الله، مما ساهم في بناء مجتمع متماسك قائم على التكافل والكرم.
 

الأثر الاجتماعي لكرم النبي صلى الله عليه وسلم

لقد ساهم كرم النبي صلى الله عليه وسلم في بناء مجتمع إسلامي قوي ومتماسك، حيث كانت القيم التي غرسها في نفوس الصحابة هي أساس المجتمع الجديد. كان الناس يتعلمون من النبي صلى الله عليه وسلم أن الكرم هو سبيل للرضا الإلهي، وأنه يُحقق السعادة والرخاء في الدنيا والآخرة. هذا الكرم الذي كان يُظهره النبي صلى الله عليه وسلم في كل جوانب حياته جعل الناس يتجمعون حوله، ويُحبونه، ويُقتدون به في كل شيء. لقد أثبت النبي صلى الله عليه وسلم أن الكرم ليس فقط صفة شخصية، بل هو جزء أساسي من بناء المجتمعات والأمم. 
إنَّ كرمَ النبيِّ محمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم لم يكن مجردَ صفةٍ عَرَضيَّة أو سلوكًا مكتَسَبًا، بل كان جزءًا من جوهرِ شخصيَّتِه النبويَّة. لقد تعلَّمنا من خلالِ سيرتِه العَطِرة أنَّ الكرمَ هو أحدُ أهمِّ الفضائل التي ينبغي أن يتحلَّى بها كلُّ مسلم، وأنه يجبُ أن نقتدي بالنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم في كرمِنا وإحسانِنا للناس. إنَّ الكرمَ في الإسلامِ ليس مجرَّدَ صدقةٍ بالمال، بل هو أيضًا حُسنُ المُعاملة، والعَفو عن الآخرين، وتقديمُ العَون في كلِّ أشكالِه. نسأل اللهَ أن يجعلنا من المتَّبعينَ لسُنَّةِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وأن نكونَ من الكرماءِ في كلِّ أمور حياتِنا. إنَّ كرمَ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم هو إحدى الصِّفاتِ التي تُظهِرُ عَظَمتَه كقائدٍ ومعلِّمٍ وإنسان. لقد كان كرمُه شامِلًا لكلِّ جوانبِ الحياة، من العطاءِ المادِّي إلى العَفوِ عندَ المقدرة، ومن نَشرِ العِلم إلى القيادةِ بحكمةٍ وتواضع. إنَّ سيرتَه العَطِرة تحمِلُ لنا دُروسًا لا تُحصَى في كيفيَّة التعاملِ مع الآخرين، وكيفيَّة بناءِ مجتمعٍ قائمٍ على الحبِّ والاحترامِ والكرم. علينا جميعًا أن نتعلَّمَ من كرمِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وأن نسعى لتطبيقِه في حياتِنا اليوميَّة، لأننا بذلكَ نقتربُ من جَوهَرِ الرسالةِ الإسلاميَّة ونُسهِم في بناءِ عالَمٍ أفضل. إنَّ الإسلامَ دينُ الرحمةِ والكرم، والنبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم هو القدوةُ التي يجبُ أن نتبعَها في كلِّ شيء. نسأل اللهَ أن يجعلنا من المتَّبعينَ لسُنَّةِ نبيِّه، وأن يرزُقَنا كرمَه وسَخاءه في كلِّ ما نقومُ به، إنَّه وليُّ ذلك والقادرُ عليه. وصَلَّى اللهُ وسلَّم على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِه وصحبِه أجمعين.
 
 

من alkram net

فكرة واحدة بخصوص ““أكرم الخلق وسيد الإحسان: النبي محمد صلى الله عليه وسلم رمز العطاء الخالد””

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *