ال مهيد

كرم ابن مهيد: مصوت بالعشاء ورمز الجود على مر العصور

مقدمة: إرث القبائل العربية في الكرم والجود

منذ القدم، كانت القبائل العربية مضرب المثل في الكرم والجود، وهي الصفات التي ورثتها أجيالهم عبر التاريخ. ومن بين تلك القبائل التي لا تزال محفوظة في ذاكرة التاريخ بسبب سخائها، تأتي قبيلة عنزة، التي تجلّت معاني الكرم فيها من خلال شخصية بارزة وهي ابن مهيد، المعروف بلقب “مصوت بالعشاء”. هذا اللقب الذي ارتبط به يعكس سيرةً غنيةً بالإنسانية، وحكايات ملهمة عن السخاء وحب الخير.

الشيخ ابن مهيد: رمز الكرم في عنزة

عُرف الشيخ ابن مهيد، أحد شيوخ قبيلة عنزة، بكرمه اللامحدود وحرصه على تقديم العون لكل محتاج. حمل لقب “مصوت بالعشاء” دلالةً على حرصه على إطعام الضيف والمسافر في كل الأوقات، حتى ولو كانت الظروف قاسية. كان كرم ابن مهيد جزءًا من هويته، ولم يقتصر على الأفراد بل امتد ليشمل القبائل والجيران وحتى الغرباء.

لقب “مصوت بالعشاء”

يرجع هذا اللقب إلى عادة عظيمة كان يتميز بها الشيخ ابن مهيد، حيث كان يصوّت في الليل، مُعلنًا أن العشاء جاهز لمن يحتاجه. لم يكن ينتظر الضيوف ليطرقوا بابه، بل كان هو من يبادر بالدعوة. هذا التصرف يعكس القيم العربية الأصيلة التي تعلي من شأن الضيافة وتعتبرها واجبًا مقدسًا.

الكرم في قبيلة عنزة: جذور ممتدة عبر التاريخ

لم يكن كرم ابن مهيد حالةً فردية، بل كان انعكاسًا لطبيعة قبيلة عنزة، التي اشتهرت على مر العصور بالجود والشهامة. كانت مجالسهم مفتوحة دائمًا، وكانوا يحرصون على إكرام الضيف وحمايته مهما كانت الظروف. ومن القصص التي تُروى عنهم أن كبار شيوخهم كانوا يقدمون الإبل والأغنام دون تردد للضيوف الذين يأتون من مسافات بعيدة.

مكانة الكرم في الثقافة البدوية

في الثقافة البدوية، كان الكرم يُعتبر مقياسًا للرجولة والشرف، وهو ما جعل قبيلة عنزة وشيوخها من أبرز القبائل في هذا المجال. كان ابن مهيد رمزًا لهذه الثقافة، وقد مثّل قيم قبيلته بأفضل صورة.

قصص خالدة عن كرم ابن مهيد

من الحكايات المشهورة عن كرم ابن مهيد أنه في إحدى الليالي الباردة، قام بإرسال منادٍ يدعو الجميع للعشاء في مجلسه. وحين لم يحضر أحد، لم يُطفئ النار ولم يغلق المجلس، بل استمر في المناداة حتى جاء أحد المسافرين المتأخرين ليجد طعامًا ودفئًا ومأوى.

كرم في أوقات الأزمات

رغم الظروف القاسية التي عاشتها البادية في بعض الفترات، مثل سنوات الجفاف أو الحروب، لم يتخلَّ ابن مهيد عن عادته في إكرام الضيوف. كان يقدم المأكل والمشرب حتى لو كان ذلك على حساب نفسه وعائلته. وهناك قصص موثقة عن تبرعه بجزء كبير من ثروته لمساعدة المحتاجين في أوقات الشدة.

مناقب ابن مهيد في السخاء

1. العطاء بلا حدود: كان الشيخ ابن مهيد يعطي بلا حساب، ولم يكن يسأل عن هوية الضيف أو وضعه الاجتماعي.
2. الشجاعة في الضيافة: لم يخشَ يومًا من انتقاد أو عواقب كرمه، حتى في الأوقات الصعبة.
3. تقديم الحماية: بالإضافة إلى الطعام، كان يوفر الحماية للضيف، وهو جزء لا يتجزأ من الضيافة البدوية.
4. التواضع: رغم مكانته الاجتماعية العالية، كان يجلس مع ضيوفه بنفسه ويشاركهم الطعام.

تأثير كرم ابن مهيد على من حوله

كان كرم ابن مهيد مصدر إلهام لأفراد قبيلته ولمن حوله من القبائل الأخرى. جعلته هذه الصفة شخصية محبوبة ومرموقة، وساهمت في تعزيز مكانة قبيلة عنزة في المجتمع القبلي. كان ضيوفه يعودون وهم يحملون قصصًا عن كرمه، ما ساعد في نشر سمعته الطيبة عبر البادية.

دوره في تعزيز الترابط بين القبائل

لم يكن كرم ابن مهيد مقتصرًا على حدود قبيلته، بل كان جسراً للتواصل مع القبائل الأخرى. في زمن كان فيه العداء بين القبائل أمرًا شائعًا، كان كرمه وسيلةً لتعزيز السلم والتعاون.

أثر الكرم في استدامة إرث قبيلة عنزة

ساهم كرم ابن مهيد في ترسيخ إرث قبيلة عنزة كمثال يُحتذى به في الجود والسخاء. لم يكن الكرم بالنسبة لهم مجرد عادة، بل كان أسلوب حياة، ساهم في الحفاظ على سمعتهم الطيبة ونقلها من جيل إلى آخر.

دروس من حياة ابن مهيد

1. الكرم كواجب أخلاقي: علمنا ابن مهيد أن الكرم ليس اختيارًا بل واجبًا.
2. العطاء في كل الظروف: لا يتطلب الكرم الغنى، بل يتطلب القلب السخي.
3. القيم الإنسانية تتخطى الحدود: كان كرمه يشمل الجميع، بغض النظر عن انتماءاتهم.

خاتمة: مصوت بالعشاء… إرث خالد

يبقى الشيخ ابن مهيد “مصوت بالعشاء” رمزًا خالدًا للكرم والجود في التاريخ العربي. تجسّدت فيه أسمى القيم الإنسانية التي نفتخر بها كعرب، وما زالت سيرته مصدر إلهام لنا في عالم اليوم. يُذكر اسمه كلما ذُكر الكرم، ويظل قدوة لكل من يسعى إلى العطاء بلا مقابل.

لقد أثبتت حياة ابن مهيد أن الكرم لا يتعلق فقط بالمادة، بل بالروح التي تُقدّم الخير للآخرين. ومن هنا، تستمر سيرته في التأثير على الأجيال، وتبقى قبيلة عنزة رمزًا للجود العربي الأصيل.

من alkram net